للزينة فقط!


يتحدث الكثيرون، في المجالس العامة، عن التعقيدات التي تواجه الناس في هذه الأيام مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عشرات السنين؛ حيث البساطة في المأكل والملبس والمسكن، وغيرها من مقومات الحياة الأساسية. ولكن هذا الحديث، على وجاهته، يغفل الكثير من الوسائل البسيطة التي تهدف إلى التيسير على الناس في كل المجتمعات، بغض النظر عن مستويات المعيشة فيها! والمشكلة الأكبر أن هذه الوسائل متاحة في كل مكان، وفي كل شارع، وفي كل بيت أو مكتب، ولكننا غالبًا ما نهملها ولا ندرك أهميتها إلا عند وقوع محذور أو مكروه، وكأنها من لزوميات ما لا يلزم، أو كأنها جزء من أدوات الزينة والديكور، لا أكثر ولا أقل! وحتى لا يبقى الحديث في إطار التنظير والتعميم، سنستعرض بعض الأمثلة التي نعيشها يوميًا!


فبعد أن كثر عدد السيارات وتوسعت الشوارع، تم إنشاء العشرات من جسور وأنفاق المشاة في كل المدن الكبرى للحد من حوادث الطرق وتمكين الناس من الانتقال من جهة إلى أخرى بكل أمان واطمئنان، فماذا كانت النتيجة؟ أغلب الجسور والأنفاق لا يتم استعمالها، والكثيرون ما زالوا يصرون على قطع الشارع، وأحيانًا القفز عن الحواجز الحديدية التي تفصل بين ضفتي الشارع، حتى لا يكلفوا أنفسهم عناء السير لعشرات الأمتار لاستخدام الجسور والأنفاق، معرّضين بذلك أنفسهم للخطر والسائقين لارتكاب الحوادث! وربما أصبحت الفائدة الكبرى من هذه الجسور استخدامها كوسائل لما يسمى بالإعلان البديل، حيث تزخر بالدعايات عن عروض البنوك والشركات وأحدث أنواع المنتجات!


أما إشارات المرور فحدث عنها ولا حرج! فإشارة ممنوع المرور، على سبيل المثال، تعني للكثيرين استكشاف السيارات القادمة من الاتجاه الآخر، وفي حال عدم وجودها فلا ضير من السير في الاتجاه المعاكس! وربما لا تعني للبعض الآخر شيئًا على الإطلاق، فإذا ما صادفتك مركبة تسير في عكس الاتجاه وحاولت إرشاد السائق وإعلامه عن ذلك، تكون الإجابة على الأغلب “أعرف”، أو في أحسن الحالات إشارة اعتذار مع ابتسامة صفراء! أما إشارة إعطاء الأولوية فتعني التذاكي، وربما التغابي، حيث يقوم السائق بتجاوز الإشارة ومحاولة التعدي على حق الآخرين! فإن كان الطرف الآخر ممن يبالغون في الحذر فسيتم الاعتداء على حقه دون أدنى اعتذار، وإن أصرّ على حقه فقد يعرض نفسه ومركبته لحادث لا مبرر له! أي أن هذه الإشارة تعني بالعامية للكثيرين “إن شفتني بضحك معك وإن ما شفتني بضحك عليك”!


وهناك عبارة جميلة جدًا، كثيرًا ما تكون مكتوبة على الجزء الخلفي من المركبات التي تعود ملكيتها للشركات الكبرى، تتحداك وتقول “كيف ترى قيادتي؟” ويليها رقم هاتف، المقصود منه بطبيعة الحال الإبلاغ عن أية ممارسات خاطئة. ومن واقع التجربة نكاد أن نجزم أن معظم من يقودون هذه السيارات يعتبرون هذه الجملة من باب الزينة أيضًا، هذا إن كانوا يعلمون بوجودها؛ فلا التزام بالقواعد ولا احترام لحقوق الآخرين الذين بدورهم لا يتكبدون عناء الاتصال بالأرقام المبرزة للإبلاغ عن المخالفات!


أما إشارات منع التدخين، مثل “شكرًا لعدم التدخين” أو “ممنوع التدخين” أو “الرجاء عدم التدخين” فهي عادة ما ترسم أو تكتب بشكل أنيق وألوان مميزة ونجدها في المؤسسات العامة والخاصة ووسائط النقل، ولكنها كثيرًا ما تأتي من باب رفع العتب والإدعاء باحترام القانون! فالإشارة موجودة ومنافض السجائر موجودة أيضًا! وفي كثير من الحالات يكون أول المخالفين هم أصحاب البيت، أي العاملين في المؤسسة أو سائقي وسائط النقل، وبالتالي لا تكون لديهم القدرة على إلزام الآخرين التقيد بها!


وفي الأماكن السياحية، عادة ما نجد عبارات تنادي بالمحافظة على البيئة وعدم إلقاء النفايات “تحت طائلة المسؤولية”، وتحتها أكوام من القمامة يتركها المتنزهون، الذين يجيدون القراءة بطبيعة الحال! وكأن المقصود منها “هنا المكان المناسب لإلقاء مخلفاتكم!”


أما في بعض المؤسسات الخدمية، التي تستقبل أعدادًا كبيرة من المراجعين، فكثيرًا ما نجد لافتات تطالب باحترام الآخرين وعدم التعدي على دورهم، في الوقت الذي تكون فيه الممارسة عكس ذلك تمامًا! إذ أن معرفة موظف من أدنى الرتب الوظيفية كفيلة بتمكينك من “القفز” على عشرات المراجعين! وربما تستمتع بفنجان من القهوة مع سيجارة “للمدخنين” وأنت تجلس في أحد المكاتب التي تزينها لوحة “شكرًا لعدم التدخين” ، بينما يقوم أحد الموظفين باستكمال المعاملة أمام أعين الآخرين الذين لا حول لهم ولا قوة!


وبعد، فهذا غيض من فيض الأمثلة التي تدل على الاستهتار وعدم التقيد بالتعليمات أو الانتفاع من الخدمات المقدمة للمواطنين، رغم أهميتها في تبسيط حياتهم والحفاظ عليها، وتجنيبهم الأمراض وحماية البيئة والحفاظ على نظافة الأماكن التي يرتادونها، ولكنها بالنسبة للكثيرين مع شديد الأسف…للزينة فقط!


من مقالات " إداره.كوم" ..

د. تيسير رضوان الصمادي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
أمة اقرأ، تقرأ © 2010 | تعريب وتطوير : عرب بلوجر | Back to top