كيف ترضع من الذئبة دون ان تعضك - عمارة لخوص


حين تتحدث عن رواية،نتذكر النسق العادي حوار بين الشخصيات وسرد للأحداث ...كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك ليست حوارا بالشكل المتعارف عليه،وتتخطى فكرة السرد العادي للأحداث،التي حبكها عمارة لخوص،الأديب الجزائري المقيم في إيطاليا،بحرفية عالية...الرواية مقسمة إلى عواء وحقيقة،عواء البطل المحوري للرواية أمديو الذي حجبت أصوله الجزائرية إلى أخر الرواية،والحقيقة التي تصدر على لسان شخوص الرواية.
والحقيقة أن استعارة لخوص لعبارة:"الحقيقة في أعماق بئر:تنظر في بئر فترى الشمس أو القمر،لكنك إذا ألقيت نفسك فيه،فإنك لن تجد الشمس ولا القمر،هناك الحقيقة فحسب"،استعاره لهذه العبارة القريبة إلى الحكمة،من الكاتب ليوناردو شاشا،في تقدمة روايته لم تأتي من فراغ،فالكاتب بنى على هذه المقولة روايته،واتضح ذلك في الحقيقة التي نطقت على لسان شخوص الرواية،والتي لم تخلو من عدم الدقة،وتغليب الرأي الشخصي،ذلك لأنهم لم يغوصوا في بئر شاشا،وفضلوا استنطاق الحقيقة من انعكاس خافت،لنور قمر على قاع البئر،في ليلة ظلماء.
أمديو الذي اتضح في الأخير أنه تغيير روماني لاسم أحمد،الذي ترك الجزائر،بعد أن ذبحت خطيبته على يد جماعة إرهابية،اندمج مع الكينونة الإيطالية الشمالية إلى أبعد الحدود،بعد أن قرر أن يتخذ من الرضاعة الآمنة من الذئبة منهجا،أخذ بأقوى سبب وأتقن الإيطالية، فبات التشكيك في إيطاليته أمرا مستحيلا،رغم ذلك،نقرأ في حسن معاملته نقطة إجماع جميع شخوص الرواية،تمسكا بقيم إسلامية في شق التعاطي مع الآخرين،ولربما يفسر ذلك تعاطفه مع الإيراني بارويز،الذي طلب اللجوء إلى إيطاليا، والذي يقرأ من اسم ابنه عمر،أن مشكلته قد تكون طائفية.
شخوص الرواية مرسومة بحرفية عالية،فمن سذاجة بوابة العمارة،إلى تعالي الأستاذ،إلى تزمت بائع السمك،جميعها مرسومة بدقة،وبمرور تدخلات شخوص الرواية،نكتشف أن بئر شاشا في الرواية هي في داخل كل شخص من شخوص الرواية،وبمرور الروايات تتضح سوء نية النفس البشرية في استقراء الآخرين،لمجرد تباين الخلفية،فنزعة الحقد الإيطالي-الإيطالي، والإيطالي-الأجنبي،هي التي تدفع بشخوص الرواية إلى تفسير أي تصرف مبهم للطرف الأخر على أساس أنه اهانة،تستوجب كره الأخر وتمني اختفائه من على ظهر البسيطة.
يترك الراوي في النهاية المجال للقارئ،لتخيل نهاية أمديو المتهم في جريمة قتل،وللسؤال:هل لو تعاملت شخوص الرواية مع أمديو على أساس انه ليس إيطاليا،هل سيكون في نظرهم ذلك الملاك الطاهر؟
الرواية جميلة جدا،وممتعة جدا،أنصحكم بقراءتها،و الاستمتاع باختلاف وجهات النظر،التي تفسد غالبا للود قضية.

مساهمة من الأخ : baaloudj youcef

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

اين الرواية ؟

إرسال تعليق

 
أمة اقرأ، تقرأ © 2010 | تعريب وتطوير : عرب بلوجر | Back to top